النظام السوري والمؤامرة الكونية/ محمد فاروق الإمام

تابعت باهتمام كلمات أعضاء مجلس الأمن يوم أمس المتعلقة بالمشروع الذي تقدمت به المغرب بشأن حل الأزمة السورية المستعصية، التي عجز العرب على مدى ستة شهور من محاولاتهم الدءوبة والصادقة لإيجاد الحلول السلمية لها دون اللجوء إلى مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو تدخل المجتمع الدولي، وقد أفشل النظام السوري كل المبادرات والحلول التي تقدمت بها الجامعة العربية، ورفض بصلف وغرور كل النصائح التي قدمها له القريب والبعيد. وأمام تعنته ومحاولاته العديدة في تمييع هذه المبادرات والتلاعب بكلمات بنودها واتباعه أسلوب السين وسوف ومواربة الباب بين مفتوح ومغلق وضبابية القرارات التي كان يتخذها، واستغلاله الفرص الممنوحة له بين كل مبادرة وعرض، ليوغل في دم السوريين علّه يتمكن من إخماد الثورة على طريقته الأمنية التي لا يجيد غيرها، ولا يريد سلوك أي طريق غير طريق القتل والقمع واستباحة الدماء بأساليب متوحشة همجية ما عرف التاريخ القديم والحديث مثيلاً لها.
أقول لقد تابعت باهتمام كبير كلمة الشيخ حمد آل ثاني رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها ورئيس اللجنة العربية التي شكلتها الجامعة العربية لمتابعة الأزمة السورية الواضحة والصريحة، والتي استعرض فيها جهود الجامعة العربية المضنية لإقناع النظام السوري بقبول ما تعرضه عليه من حلول تكفل تحقيق أماني وطموحات الشعب السوري، المتمثلة بنيل الحرية والفوز بالكرامة وإقامة الدولة المدنية القائمة على المساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان، وقد حفظ المشروع ماء وجه النظام، فهو لم يطالب برحيله أو تنحي رأسه كما تطالب الجماهير السورية الثائرة في طول البلاد السورية وعرضها، وحناجرها تصدح: (الشعب يريد إسقاط النظام.. الشعب يريد إعدام البشار).
كما استمعت إلى كلمة الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي التي استعرض فيها المراحل التي مرت بها الأزمة السورية، ومساعي الجامعة في إيجاد حل لها ضمن البيت العربي، بعيداً عن أي تدخلات أجنبية، وقد أخفقت الجامعة في إقناع النظام السوري في وقف القتل وسحب المظاهر المسلحة والآليات العسكرية من شوارع المدن والبلدات والقرى السورية، وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين على خلفية هذه الأحداث، والسماح للتظاهرات السلمية، وفتح أبواب سورية لدخول وسائل الإعلام العربية والأجنبية وتسهيل تنقلها في كافة الأراضي السورية بحرية ودون قيود، لترصد بحيادية ومهنية ما يجري في المدن والبلدات والقرى السورية، وقد وافق النظام بلا تحفظ على هذه الطلبات، ووقع على البروتوكول المرفق مع هذه المبادرة، متعهداً بتنفيذ كل بنوده، وبعد تنفيذ النظام لكل ما جاء في المبادرة والبروتوكول، فإن الجامعة العربية ستعمل على عقد لقاء بين النظام والمعارضة السورية في القاهرة تحت قبة الجامعة للحوار والاتفاق على الصيغة الأسلم التي تسهل انتقال البلاد من الحكم الديكتاتوري الاستبدادي الأمني القمعي إلى حكم مدني ديمقراطي تعددي، يقوم على التداول السلمي للسلطة، في ظل قانون مدني يتفق الجميع على صياغته، وقد رفض النظام كل هذه المبادرات بعد ستة أشهر مضنية من التسويف والمناورة لكسب الوقت، مما دفع الجامعة العربية – كما قال العربي – إلى حمل هذا الملف إلى مجلس الأمن ليتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه ما يجري في سورية من قتل وقمع وسفك للدماء، واعتقال وتشريد ومحاصرة مدن وتقطيع أوصالها ومنع الماء والغذاء والدواء والكهرباء والاتصالات عن سكانها، وقصفها براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة ومدفعية الدبابات والطائرات العسكرية والبارجات الحربية، وتهديم البيوت على رؤوس أصحابها لتقضي تحت الأنقاض عوائل كاملة من جراء هذا القصف الوحشي الأعمى والمجنون، الذي لم يستثن دور العبادة والمصلين فيها ولا حتى المآذن وقباب المساجد ومحاريبها.
كما استمعت إلى كلمة مندوب النظام السوري بشار الجعفري (الإيراني الأصل، وقد عقمت نساء سورية أن يلدن رجلاً يمكن أن يتحمل أعباء هذا المنصب) وهو يسرد بأسلوب ممجوج أكاذيب وأباطيل، كنا نرى انعكاسها على وجوه المندوبين العالميين وهي تتبرم من سماعها، مكيلاً التهم للجامعة العربية وواصماً قادتها وحكوماتها بالخيانة والعمالة وتنفيذ أجندة أمريكية وصهيونية، دون أن يراعي المنبر الدولي الذي يتكلم منه، وهذا جعلني أجزم أن المتكلم ليس عربياً ولا يمت إلى العروبة لا بصلة الدم ولا بصلة الرحم.
واستمعت إلى كلمات أعضاء مجلس الأمن التي أيدت معظمها المشروع المغربي ونددت بممارسات النظام القمعية وما يرتكبه بحق المواطنين العزل من جرائم، باستثناء المندوب الروسي الذي ألقى كلمة معدة مسبقاً، والتي لم تتناغم مع كلمات من سبقه من المتحدثين، رافضاً أي تدخل أجنبي في سورية أو فرض أي عقوبات عليها أو التلميح بتنحي رأس النظام، علماً أن المشروع الذي تقدمت به المغرب نيابة عن الجامعة العربية لا يتحدث عن أي تدخل أجنبي بالشأن السوري أو فرض أي عقوبات على النظام، أو المطالبة بتنحية بشار الأسد، لأن هذا – كما قال رئيس وزراء قطر – شأن داخلي يهم الشعب السوري الذي هو وحده من له الحق في فعل ذلك إن أراد. كما كانت كلمة المندوب الصيني ضبابية، دون توضيح موقف الصين الرسمي.
من هنا فإن مواقف دول العالم تكاد تكون متفقة في مواجهة هذا النظام السادي، لوضع حد لإجرامه وما يقترفه بحق شعبه الأعزل المسالم، المطالب بالحرية والكرامة التي كفلتها له الشرائع السماوية والأرضية، ولم يجد هذا النظام أمامه من وصف لهذا الموقف الدولي إلا اتهام العالم أجمع بالتآمر عليه، وبالتالي فإن هذا النظام من كثرة ما يكذب راح يصدق نفسه بأن هناك مؤامرة كونية تستهدفه.

CONVERSATION

0 comments: