لا داعي لانتظار تقارير منظمات حقوق الانسان لتجيب عن أسئلة تطرق كل ذي ضمير حول كيفية اعتقال ومقتل العقيد القذافي، فالاشرطة المصوّرة التي بثتها الفضائيات ومواقع الانترنيت قالت كل شئ، وقالت الحقيقة التي ربما ستكتمل لاحقا مع ظهور أشرطة اخرى هي الآن بحوزة بعض الثوار الذين شهدوا لحظة سقوط الطاغية.
مشهدية طاغية بالبربرية ما شاهدها العالم بذهول وصمت عربي وغربي مطبق.. العالم الغربي الذي كان جاهزا دائما للتباكي على مقتل اسرائيلي محتل لفلسطين لم ينطق بكلمة واحدة يستنكر فيها الطريقة الوحشية التي صاحبت القضاء على طاغية اعتبره هذا العالم الى الامس القريب صديقا، وذلك عندما فتح ابواب بلاده للاستثمارات والمصالح الاميركية والغربية ككل.. ورأينا اكثر من ذلك عندما شاهدنا بعض زعماء الغرب يقبّلون يديه، وهم الذين لم يقبّلوا أيدي امهاتهم يوما، هذا اذا كانوا يعرفون امهاتهم أصلا.
قتلوه بعد يومين فقط من مجيء عرّابة الكوارث والويلات وزيرة الخارجية الامريكية لليبيا تطالب بحقها من الغنيمة عبر التذكير بشراكة الدم والنفط. قالت: اقتلوه، فقتلوه بدماء بارده وبلا رحمة كان يطلبها وهو بين ايديهم كالشاه وسط صيحات "الله اكبر" وكأن الله بارك السحل ولم يوصي بالرحمة والتسامح والعدل.. أو كأن الديمقراطية المنشودة في ليبيا كان لا بد ان تمر عبر هذه المشهدية الدموية التي عبّر عنها ثوار ليبيا بهمجية وبربرية شاركهم بإخراجها الفني والتقني قناتا "العربية" و "الجزيرة" اللتان تسابقتا في تقديم مادة اعلامية تعتبر من المحظورات التي تنص بعدم نشر المواد الرهيبة التي تترك تأثيراتها السلبية على الانسان وخاصة الاطفال.
الزهو بالانتصار كان يمكن ان يكون أجمل، فيما لو حافظ ثوار ليبيا على حياة طاغيتهم لتقديمه الى المحاكمة عن سنين طغيانه الطويلة وتجاوزاته على حقوق الانسان ليكون عبرة للديكتاتوريات العربية التي مازالت تخنق أنفاس الناس وتصادر حرياتهم وكراماتهم..
كان يمكن لثوار ليبيا في نهاية فصل الخلاص من الديكتاتور، ان يقدموا صورة حضارية منافية للصورة التي شاهدها العالم، هذه المشبّعة بالكراهية والوحشية والتي ربما ستفتح ابوابا لحروب لا تنتهي بين القبائل الليبية وبين التيارات الاسلامية والليبرالية.. دون ان نغفل صراع المصالح على قاعدة ان الدم يستدعي الدم والنفط يجلب البوارج والاساطيل.
وعلى هذه القاعدة لا نظن ان حلف الناتو سينهي مهمته العسكرية في القريب العاجل في الاجواء الليبية، بل في المرحلة المقبلة ستكون دول الناتو والولايات المتحدة الامريكية أكثر حضورا في المشهد الليبي عبر أجهزتها الامنية والاقتصادية لرعاية حصصها من الغنائم.
****
لقد قدم لنا العالم الغربي اكثر من دليل على ان حقوق الانسان التي ينادون بها هي لا تعني الانسان العربي ولا المنطقة العربية الا في حالات مصالحه المتوحشة.
وصلت القوات الامريكية الى مخبأ اسامة بن لادن وأردوه قتيلا على الفور، ليحملوا جثته ويلقوها في البحر حسب زعمهم، وكان يمكن ان يأخذوه حيا لمحاكمته على الملأ. وشاهدنا القذافي حيا بين ايدي الثوار، لنراه بعد ذلك قتيلا، وكذلك ابنه المعتصم الذي لا أثر لإصابات على جسده ومن ثم قتيلا.. خلاصة القول ان الغرب لا يريد محاكمات عادلة لصنائعه ستؤدي الى ادانته وستكشف كم هذا الغرب ما زال على عهد البربرية.
0 comments:
إرسال تعليق