الأسرى أم الدولة؟/ عطا مناع

قبل أيام خرجنا عن بكرة أبينا إلى الساحات نهتف للدولة الموعودة، حملنا الإعلام الفلسطينية وهتفنا بصوت واحد نعم للدولة 194 ، هتفنا باسم الرئيس وخطابة الشجاع وكتبنا مئات المقالات وقصائد الغزل بالمرحلة الجديدة، اسمعنا إلى العاشقين الذي غنوا للأرض والإنسان ولبيروت والأسرى، العاشقين الذين أعادوا لنا بعض الروح في مرحلة اتسمت بالضبابية.
كانت أيام فلسطينية حقيقية بصرف النظر عن الجاذبات السياسية والتحفظات والتخوفات، التقينا بقادة العمل السياسي الفلسطيني الذين نفضوا عن كاهلهم الغبار وجاءوا يبشروا بالدولة الموعودة، كان حضورهم ملفتاً، وبعضهم زارنا أكثر من مرة خلال أسبوع على غير عادته، ولا بد أن نقيم ذلك ايجابياً.
انتهت احتفالات الدولة وعادة القادة إلى معاقلهم في رام اللة بانتظار قرار مجلس الأمن والجمعية العمومية، ولهم الحق في ذلك لأنهم تعبوا معنا، وفي خضم هذا الحراك كانت خيوط معركة أخرى تنسج في الظل، معركة من لحم ودم وجوع، معركة من طراز أخر، يخوضها رجال لا يملكون سوى كرامتهم، هي معركة إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي عن الطعام.
عندما تحدثوا عن الدولة قالوا لنا: قد ننجح وقد نفشل، وتوجهنا إلى مجلس الأمن والجمعية العامة استمرارية لنضالنا من اجل التحرر والاستقلال، وخاصة ان دولة الاحتلال الإسرائيلي تدير الظهر للتسوية السياسية، ولا مجال أمامنا إلى مخاطبة العالم وفضح سياسة التعنت والتسويف الإسرائيلية، ووضع الكرة في الملعب الدولة لعل وعسى يفهم المعادلة التي نعيشها كفلسطينيين، وبالتأكيد هذا شكل من أشكال الكفاح التي تعترف بها الأمم المتحدة أو التي نتمنى أن تكون متحدة.
فيما يتعلق بهذا الإضراب القضية مختلفة، وبتحديد أكثر هذا الإضراب مختلف عن كافة الإضرابات التي خاضتها الحركة الأسيرة منذ عام 1969 حتى يومنا هذا والتي تتجاوز إل 22 إضرابا عن الطعام قدمت خلالها الحركة الأسيرة الفلسطينية عشرات الشهداء بسبب استفراد مصلحة السجون بأسرانا واتخاذ أقصى الإجراءات بحقهم، ولا زال حاضراً إضراب سجن نفحة عام 1980 الذي راح ضحيته الأسيرين علي الجعفري وراسم حلاوة وفيما بعد الشهيد اسحق مزاغة جراء محاولة إجبار أسرانا على فك إضرابهم الأشرس في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة من خلال استخدام البربيج لإدخال الحليب إلى معدة الأسير وفي الحقيقة إلى الرئتين لهذا كان الموت المحقق لإسرارنا المضربين عن الطعام.
أصبح واضحاً أن أسرى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أعلنوا الإضراب المفتوح عن الطعام، هذا الإضراب مدعوم بخطوات تضامنية من باقي الفصائل وانخراط أسرى آخرين في الإضراب المفتوح، ويكمن الخطر في هذه الخطوة النضالية للأسرى أن أسرى الجبهة الشعبية هم من أعلنوا الإضراب عن الطعام، والخطر الأكبر أن الأسرى المرضى أعادوا الدواء في سجن النقب الصحراوي، وفيما إذا انخرط الأسرى المرضى للجبهة الشعبية في الإضراب الذي قد يطول فنحن إمام كارثة وطنية لا نستطيع أن نتوقع نتائجها.
الكارثة تتمثل بإدارة مصلحة السجون الظهر لمطالب الأسرى المضربين والانفراد بهم، وقد باشرت باتخاذ ما تسمية الإجراءات العقابية بحق عن طريق التنقلات والعزل، وفي الوضع الطبيعي عودتنا مصلحة السجون على عدم مناقشة مطالب الأسرى إلا بعد أسابيع، فكيف إذا عرفنا أن المستوى السياسي لدولة الاحتلال اتخذ قراره بالتضييق على الأسرى وجسدت قراراته على الأرض بقائمة طويلة من الممنوع.
الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات المعزول عن العالم الخارجي منذ سنوات يسارك في معركة الأمعاء الخاوية، وهذا مكمن أخر للخطر، بمعنى أن الإضراب الذي يخوضه أسرى الجبهة الشعبية ليس تكتيكيا، لا توجد مشكلة إذا كان تكتيكيا، ولكن المشكلة إذا كان هذا الإضراب استراتيجيا، فهذا يعني ومع اخذ كافة المعطيات السياسية والميدانية أن الأوضاع في غاية الخطورة مما يتطلب تحركاً واسعاً لا يقتصر على خيمة في رام اللة يتواجد فيها السياسيون وغيرهم.
أرى في إضراب أسرى الجبهة الشعبية سلاحاً بحدين، وخاصة أنهم بصدد معركة شرسة غير مسبوقة، وقد يكون أسرى الجبهة اتخذوا قرارهم لمعركة كسر العظم وليس عض الأصابع، وهي المعركة الفرصة لدولة الاحتلال لإحداث تصفيات في صفوف القيادات المستهدفة من الجبهة وعلى رأسهم الأمين العام للجبهة احمد سعدات، ما يضع المتابع الحركة الوطنية الفلسطينية وكل ما يتفرع عنها أمام مسئولياتهم وعدم اعتماد الحالة الانتظاريه لما سيحدث.
إن معركة الإضراب المفتوح عن الطعام لا تقل في أهميتها عن معركة استحقاق الدولة، لا بل هي أكثر أهمية لحساسيتها، وإذا ما اتخذا القرار الجاد من قبل القيادة الفلسطينية للوقوف إلى جانب الأسرى المضربين الذي يخوضون معركة من طراز جديد وقد تكون الأخيرة لبعضهم.
نرغب بان تنزل القيادة الفلسطينية من رأس الهرب إلى أسفلة إلى الشارع كما الاستحقاق، فالدولة والأسرى مكملان لبعضهما البعض ويختصران جدلية العلاقة بين الأرض والإنسان، وقد لا يكون من المبكر الالتحام بالشعب وبالتحديد أهالي الأسرى بعيداً عن النخبوية، لان الوقت من دم، وهدر الوقت يعني سقوط ضحايا جراء الإضراب واستغلال الإضراب من قبل مصلحة السجون، وهذا الكلام معروف للمتابعين لأوضاع الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
في المحصلة هل من الممكن البناء على حالة النهوض التي جسدت لاستحقاق الدولة؟؟؟ آم أننا كنا بصدد تحرك يتيم ولمرة واحدة؟؟؟ هل سنرى المستوى السياسي الفلسطيني يتنقل في إرجاء الأرض المحتلة والخارج ليفضح السياسات الاحتلاليه ويشارك لا يل يقود الشارع الفلسطيني ورسخ روح التضامن الحقيقي مع الأسرى؟؟؟ الأيام القادمة فيها مفاجآت غير سارة وخاصة أن دولة الاحتلال تعودت على الاستفراد بأسرانا، يا هل ترى سيسقط الشعار المعهود المتعلق بالأسرى ...يا وحدنا، أم أن للدولة زمان وللأسرى زمان أخر؟؟؟؟

CONVERSATION

0 comments: